الحمد لله، والصلاة والسلام علَى رسولِهِ ومُصْطَفاه وَآلهِ وصحبهِ ومَن والاه، أمَّا بعدُ: فقد تـتَـبَّعَ الخليلُ بن أحمد الفراهيدي [ت173هـ] -رحمه الله- أشعارَ العرب الفصحاء فوجدها لا تخرج عن أوزانٍ معينة، وكل وزنٍ منها يوزن به ما لا يُحصَى من الأبيات الشعرية، ولذلك سمّاهُ (بحرًا) ومَـيَّزَ كُلَّ بحرٍ باسْمٍ خاص.
فكل ما خرج عن هذه البحور فليس بشعرٍ عند العرب، وإنما هو من إحداث المُوَلَّدِين أنصاف الأعاجم، وكذلك ما يُسمَّى بالشعر الحُـرِّ الحديث، ليس بشعر ؛ بل هو جنايةٌ على اللغة العربية وباب للطعن في القرآن من طرفٍ خفي! ولعلي أُفرِد لذلك الأمر مقالًا خاصًّا – إن شاء الله – أوضح فيه مدى خطورته.
◆ عدد البحور :
ستة عشر بحرًا ، وكلها من اكتشاف الخليل، وقيل: عَدا بحر (المُتَدارَك) إِذْ تَدارَكَهُ بعد ذلك تلميذه الأخفش الأوسط [ت215هـ] ولهذا سُمِّيَ (المُتَدارَك).
ويقال: أن الخليل ذَكَرَهُ في (الدوائر) ضِـمْـنًا، ولعله الأصح – والله أعلم – إِذْ لا يُعقَل أن يُقيم دائرةَ المُـتَّـفِـق من أجل بحر وحيد فقط هو المتقارب!
◆ نبذة عن الدوائر العَـرُوضِـيّة :
أراد الخليل تيسيرَ استحضارِ أوزانِ البحور، فوَضَعَ خمسَ دوائر تُرسَمُ بطريقة معينة [يراها بعض الناس معقدة، وليست كذلك؛ بل هي عبقرية]، وتتركب كل دائرةٍ من تفعيلتين فأكثر بترتيبٍ محدد، وقد وقع بين العَروضيين اختلافٌ في ترتيب الدوائر الخمسة، ولعلِّي أُغْنِيك عن خَوْضِ غِمارِهِ بذِكْر الأرجح والأصوب بعون الله وتوفيقه:
1- دائرة المُـخْـتَلِف :
وتحوي ثلاثة أبحر: الطويل والمَـدِيد والبسيط.
واستخرج المتأخرون بحرين آخرين من هذه الدائرة سَمَّوْهُما: المستطيل والممتد، ولكنهما ليسا من أوزان العرب، ولذا أهملهما الخليل.
2- دائرة المُـؤْتَـلِـف :
وتحوي بحريْن: الوافِـر والكامل .
واستخرج المتأخرون بحرًا ثالثًا من هذه الدائرة سَمَّوْهُ: المتوافر، ولكنه ليس من أوزان العرب، ولذا أهمله الخليل.
3- دائرة المُـجْـتَلَب :
وتحوي ثلاثة أبحر: الهَـزَج والرَّجَـز والرَّمَـل.
4- دائرة المُـشْتَبِه :
وتحوي ستة أبحرٍ: السريع والمُـنْسَرَح والخـفـيف والمُـضَارِع والمُـقْـتَضَب والمُـجْـتَث.
واستخرج المتأخرون ثلاثة أبحر أخرى من هذه الدائرة سَمَّوْها: المُتّئِد والمُنْسَرِد والمُطّرِد، ولكنها ليست من أوزان العرب، ولذا أهملها الخليل.
5- دائرة المُـتَّـفِـق :
وتحوي بحرَيْن فقط: المُـتَقارب والمُـتَدارَك.
◆ وأقول للمبتدئ في هذا العلم:
يمكنك الاكتفاء عمَّا سبق بمعرفة الآتي:
تنقسم البحور باعتبار تكرار تفعيلاتها إلى:
أولاً: البحور ذات التفعيلة المكررة سِـتًّا:
[الوافِـر/ الكامل/ الهَـزَج/ الرَّجَـز/ الرَّمَـل].
ثانياً: البحران ذوا التفعيلة المكررة ثمانيًا:
[المُــتَـقارب/ المُــتَدارَك].
ثالثاً: البحور ذات التفعيلتين المكررتين:
[الطويل/ المَديد/ البسيط].
رابعاً: البحور ذات التفعيلتين المكررة إحداهما:
[السـريع/ المُـنْسَرَح/ الخـفـيف/ المُـضارِع/ المُـقْـتَضَب/ المُـجْـتَث].
وسنبدأ في الدرس القادم – إن شاء الله – في شرح القسم الأول من بحور الشعر العربي، فنسأل الله العَوْنَ والتوفيق والسَّدَاد.
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ وسلَّم
وفّقه الله لِما يحب و يرضَـى
وفقكم الله رب العالمين لما يحب ويرضي
آمـــــــين ، و إيّاكم
جزاكم الله خيرا يا أبا قدامة. أقول من باب التأييد: أسلوبكم هذا يسعدنا ويفرحنا. ألا وهو عدم الإطالة المملة في الشرح والبيان، واكتفاؤكم بالقدر القليل من الدرس حتى يطابق طبقات المتابعين لكم في هذه السلسلة الدروسية المباركة. فجزاكم الله خيرا وبارك فيكم.
أيها الأستاذ الله مؤجره، أستزيد توضيحكم في هذه النقط:
١- المولدون. أهم العجم الذين ولدوا في بلاد العرب وترعرعوا في اللغة العربية؟ أم من هم؟
٢- إسناد كلمة البحر إلى أسماء البحور الشعرية أهو إسناد إضافي أو وصفي؟ فمثلا أقول: (بحر الطويل) أو (البحر الطويل).
٣- قولكم في شعر الحر: إنه “جناية على اللغة العربية وباب للطعن في القرآن من طرف خفي” -وإن قلتم ستتكلمون عنه مستقبلا – فأرجو من سماحتكم أن تمثلوا لي ذلك ولو بالاختصار لاستفادة قبل ذلك الحين.
أخوكم في الله محمد الثالث.
وجزاكم الرحمن وحفظكم وجميع أهل السُّـنة في نيجيريا والعالم.
ج1 : المُوَلّدُ – بضم الميم وفتح الواو وتشديد اللام مع فتحها – هو عربي غير خالص ، أي أنّ أصله عربي ولكنه اختلط لسانه بالأعاجم فصار مثلهم .
_________
ج2 : إسناد أسماء البحور إلى البحور يصح أن يكون إسنادًا وصفيًّا فتقول مثلاً: البحر الطويل ، ولا بأس أيضًا أن يكون إسنادًا إضافيًّا فتقول: بحر الطويل ، وكلاهما قد وَرَدَ في كتب العَروض ، فلا حرج.
ولشعوري أنك تميل للإسناد الوصفي قررتُ العمل به – مستقبلاً إن شاء الله – مَحبةً لك ، ولأن عليه الجمهور . والله أعلم .
_________
ج3 : هذا الذي يُسمُّونه بالشعر الحر لا أوزان له ولا ضوابط !!
بل ولا يُشترط فيه قافية مُوَحَّدَة في جميع أبيات القصيدة الواحدة !! فيكتبون نَـثْرًا ويسمونه شعرًا !! وبمفهومهم هذا يصير كل الكلام شعرًا ويختل تعريف الشعر !! وما فعلوا ذلك إلاّ لإفلاسهم وعجزهم عن نظم الأبيات على أوزان العرب الفصحاء ، وقد غفل هؤلاء القوم عن أمر عظيم ، وهو أنهم بفعلهم ذلك يفتحون الباب للكفار ليطعنوا في القرآن العظيم فيزعموا أن فيه شعرًا أو أن كله شعر طالما أن كلامهم العاري عن الضوابط والأوزان يسمى شعرًا !! سبحان الله عمّا يقولون !! قال تعالى: {وما علَّمْناه الشِّعْرَ وما ينبغي له إنْ هو إلاّ ذِكْرٌ وقرءانٌ مُبين} [يس:69] فالمراد بالشعر في هذه الآية هو الشعر الذي كان معروفًا عند العرب وقت نزول القرآن العظيم ، وليس المراد به ما تم استحداثه بعد نزول القرآن بقُرون طويلة ثم سَمّوه شِعْرًا .
وأرجو أن يكون هذا الرد كافيًا في هذا المقام ، إلى أن يُيسر الله بإصدار البحث التفصيلي في المسألة إن شاء الله .
jazakumullahu khaira