الحمد لله، والصلاة والسلام علَى رسولِهِ ومُصْطَفاه وَآلهِ وصحبهِ ومَن والاه، أمَّا بعدُ: فهذا الدرس والذي يليه من أهم المُقَدِّمات الواجب على طالب علم العَروض معرفتها؛ بل حفظها، قبل الشروع في دراسة بحور الشعر العربي، وستحتاج العودة إليه كل فترة لأهميته، وبعضُ المُصَنِّفين يُؤَخِّـرُونه بعد البحور، أو يشرحونه أثناء شرح البحور، ولكنني أختار إفراده بالشرح تيسيرًا لفهمه، وتسهيلًا لمراجعته عند الحاجة، بدلًا من جعله مُبعثرًا فـيصعب عليك جَمْعُ فُـتاتهِ من بين الدروس، وكذلك اخترتُ تقديمه لأن ما بعده مبنيٌّ عليه.
فلا تتطلَّع إلى القفز لدراسة البحور، ومِن ثَمَّ نظْم القصائد والمنظومات؛ مُهْمِلًا تلك المُقَدِّماتِ اللازمة، والضوابطَ الحاكمة، والفوائدَ الداعمة، فـتعجز عن فهم البحور، فيصيبك الفُـتور، فـتُعْرِض عن الأمر إعراضَ المهزوم المحسور !!
فإيَّاك والعَجَلة ! ففيها الندامة والحسرة، واصبر صبرًا جميلًا، واستعِن بالله، ولا تعجِز.
اعلم – ألْهَمَك اللهُ رُشْدَك – أنَّ التفعـيلات العشر قد تطرأ عليها بعضُ التغييرات، إمّا بإسكان حرفٍ، أو بإسقاطه، أو بزيادة حرفٍ أو أكثر، ومن ذلك ما يكون لازمًا، فإن أصاب تفعيلةً من بيتٍ في قصيدةٍ ما؛ لَزِمَ أن يصيب التفعيلةَ المناظرةَ لها في سائر الأبيات، وإلَّا انكسر الوزنُ، وهذا هو ما يُـعْـرَفُ بالعِـلَّة – وهو موضوع الدرس القادم إن شاء الله -.
ومن هذه التغييرات التى تنال التفعيلات ما يكون طارئًا غيرَ لازم، ولـكن الشاعر قد يحتاج إليه أحيانًا لإيراد لفظٍ مُـعَـيَّنٍ دون كسرٍ للوزن، وهذا هو ما يُسَمَّى بالزِّحاف، وهو موضوع الدرس الذي بين أيدينا الآن، فأقول – وبالله أستعين – :
● تعريف الزِحَاف – بكسر الزاي – : مُفرد ( زِحَافَات ) وهي تغييرات تطرأ على ثواني الأسباب.
والمراد بـثواني الأسباب: الحرف الثاني من السبب، سواء كان سببًا خفيفًا [ /ه ] أو ثقيلاً [ // ].
مـثال: [ مُـتَـفاعِـلُنْ ] = مُـتَـ
[ // ] ــفا
[ /ه ] عِـلُنْ
[ //ه ]
= سبب ثقيل + سبب خفيف + وتد مجموع = // /ه //ه
فيجوز دخولُ زِحافٍ في الحرفين الثاني والرابع فقط من هذه التفعيلة، لأن كِلَيْهِما وقع حرفًا ثانيًا في سبب.
● صفات الزِحافات :
1- تختص بثواني الأسباب، فلا تنال أوائلَها ولا تنال وتدًا أبدًا.
2- تكون بالنقص أو بالإسكان (فـتُسْقِط ساكنَ السبب الخفيف ، و تُسْقِط أو تُسكن ثانيَ السبب الثقيل).
3- تجول في البيت كله عَـرُوضًا وضَربًا وحشوًا.
4- لا تلزم سائر الأبيات (تَطْرأ وتزول) وهذا مذهب الجمهور.
● أنواع الزِحافات ( زِحاف مفرد / زِحاف مزدوج ) :
النوع الأول : الزحاف المفرد :
أولاً : ما ينال ثانيَ السبب الخفيف :
1) الخَـبْن : هو إسقاط الحرف الثاني الساكن . فقد ينال :
[ فـاعِلُنْ / فـاعلاتن / مُـسْتفعلن / مُـسْتفعِ لن / مَـفْـعُـولاتُ ]
فتصير: [ فَـعِلُنْ / فَـعِلاتُنْ / مُـتَـفْـعِلُنْ / مُـتَـفْعِ لُنْ / مَـعُـولاتُ ] .
2) الطَّيّ : هو إسقاط الحرف الرابع الساكن، فقد ينال :
[ مُـتَـفَـاعِلُنْ / مُـسْـتَـفْـعِلُنْ / مَـفْـعُـولاتُ ]
فـتصير: [ مُـتَـفَـعِلُنْ / مُـسْـتَـعِلُنْ / مَـفْـعُـلاتُ ] .
3) القَبْض : هو إسقاط الحرف الخامس الساكن، فقد ينال :
[ فَـعُولُنْ / مَـفاعِـيلنْ ] فـتصير : [ فَـعُولُ / مَـفاعِلنْ ] .
و لم يرِد القبضُ في [ فَاعِ لاتُنْ ] أبدًا .
4) الكَـفّ : هو إسقاط الحرف السابع الساكن، فقد ينال :
[ مَفاعيلُنْ / فاعِلاتنْ / فاعِ لاتنْ / مُفاعَلَتُنْ / مُسْتَفْعِ لُنْ ]
فتصير: [ مَفاعيلُ / فَاعِلاتُ / فَاعِ لاتُ / مُفاعَلَتُ / مُسْتَفْعِ لُ ] .
مع وجوب مراعاة (التعاقُب) بين الكَفّ والخَـبْن في كل شَطْرِ بيت، بمعنى أنّ التفعيلةَ إن أصابها كَفٌّ امْـتَـنَع وقوع الخَـبْنُ في التفعيلةِ التي تليها.
وهذا مثال توضيحي لمسألة التعاقب:
وزن شَطْر بيتٍ من بحر المُـجْـتَث = (مُـسْتَفْعِ لُنْ . فَاعِلاتُنْ) فإن أصاب الكَـفُّ (مُـسْتَفْعِ لُنْ) امتنع وقوع الخَـبْنُ بعدها في (فـاعِلاتُنْ)، فالصورة الممنوعة هي: (مُسْتَفْعِ لُ . فَـعِلاتُنْ)، ومثل ذلك يُقال في بحور الرَّمَل والمَديد والخفيف، كما سيأتي بيانه في مكانه – إن شاء الله.
ثانيًا : ما ينال ثانيَ السبب الثقيل :
1) الإضمار : هو إسكان الحرف الثاني من [ مُـتَـفاعِلُنْ ]
فـتصير: [ مُـتْـفاعِلُنْ = مُـسْـتَـفْـعِلُنْ ].
2) الوَقْـص : هو إسقاط الحرف الثاني من [ مُـتَـفاعِلُنْ ]
فـتصير: [ مُـفاعِلُنْ ].
3) العَـصْب : هو إسكان الحرف الخامس من [ مُـفـاعَـلَـتُنْ ]
فـتصير: [ مُـفـاعَـلْـتُنْ = مَـفـاعِـيلُنْ ].
4) العَـقْل : هو إسقاط الحرف الخامس من [ مُـفـاعَـلَـتُنْ ]
فـتصير: [ مُـفـاعَـتُنْ ].
النوع الثاني : الزِحاف المُـزْدَوَج :
1) النَّقْص = ( عَصْب + كَفّ ).
وهو يختص بــ [ مُـفاعَـلَـتُنْ ] فتصير: [ مُفاعَلْتُ ].
2) الخَـزْل = ( إضْمار + طَيّ ).
وهو يختص بــ [ مُـتَـفـاعِلُنْ ] فـتصير: [ مُـتْـفَـعِلُنْ ].
3) الخَـبْل = ( خَـبْن + طَيّ ).
وقد ينال [مُـسْتَـفْـعِلُنْ ] فـتصير: [ مُــتَـعِـلُنْ ].
و كذا قد ينال [ مَـفْـعُـولاتُ ] فـتصير: [ مَـعُـلاتُ ] إلَّا في بحر المُـقْـتَضَب؛ إذْ يلزم فيه (التَّرَاقُب) بين فاء و واو [ مَـفْـعُـولاتُ ] بمعنى ألاّ يثبتان معًا ولا يسقطان معًا.
ولذلك قلتُ في متن الخُلاصة الشافية :
فَـبنَاءُ مُـقْـتَضَبٍ بـنِصْفِ الْخَـبْلِ (مَـفْــ
ــعُـولاتُ) (مُـسْـتَـعِلُنْ) بِـطَيٍّ يَـرْكُدُ
ففي قولي: (نصف الخَبْل) إشارة إلى مسألة التراقُب.
4) الشَّكْل = ( خَـبْن + كَفّ )، وقد ينال كل من:
[ فـاعِلاتُنْ / مُـسْتَفْعِ لُنْ ] فـتصير: [ فَـعِـلاتُ / مُـتَفْعِ لُ ]،
مع وجوب مراعاة (التعاقب) كما سبق البيان.
● تنبيهات و فـوائد :
1- الزِحاف المُـزْدَوَج نادر الوُرُود في أشعار العرب الأوائل الفصحاء، وإذا وقع في بيت دون آخر تستشعر أُذُناك شيئًا من الاخـتلال، فالأَحْـرَى بك أن تجـتنبه في نَظْمِكَ قَدْرَ وُسْعِك.
2- حروف المد تعتبر ساكنةً، فـتسقط الألف بالخَـبْن في مثل [فَـاعِلُنْ]، وتسقط الواو بالطَيّ في [مَـفْـعُـولاتُ]، وتسقط الياء بالقَـبْض في [مَـفاعِـيـلنْ].
3- ذَكَرنا في درس الـتـفـعـيلات أنّ لفصل العين عن اللام في [فَاعِ لاتُنْ] و [مُـسْتَفْعِ لُنْ] فائدة مهمة، وحانَ أوانُ بيانِ جـزء منها، فلَعَلّك لاحظْتَ أن [ فَـاعِـلاتُنْ = /ه //ه /ه ] قد ينالها الخَبْنُ لأن أوَّلَها سبب خفيف [ /ه ] ، بينما يمتنع الخَبْنُ في [ فَـاعِ لاتُنْ = /ه/ /ه /ه ] لأن فصل العين عن اللام جَـعَلَ أوَّلَ التفعيلة وتدًا مَفْروقًا [ /ه/ ] ، والزِّحافاتُ لا تنالُ الأوتادَ أبدًا كما عَلِمْتَ.
وكذلك قد ينالُ الكَفُّ [ مُـسْتَفْعِ لُنْ = /ه /ه/ /ه ] لأنّ آخِـرَها سبب خـفـيف [ /ه ] ، بـينما يمـتنع وُرود الكَـفّ في [ مُـسْتَفْعِلُنْ = /ه /ه //ه ] لأن وصل العين باللام جَـعَلَ آخر التفعيلة وتدًا مَجموعًا [ //ه ] والزحافاتُ لا تنالُ الأوتادَ كما سبقت الإشارة.
فانتبه إلى تلك الفائدة فإنها عزيزة.
وهاك ما نظمتُه في فصل (الزِّحافات) في منظومتي المُسَمّاة (الخُلاصة الشافية في العروض والقافية) :
وَ اعْرِفْ زِحَافَاتٍ تَـنَالُ ثَوَانِيَ الْـ
أَسْــبَابِ ، ثُمَّ تَـزُولُ أَوْ تَـتَـرَدَّدُ
فَالْوَقْـصُ يُسْقِطُ ثَانِـيًا مُـتَحَـرِّكًا
وَيُـسَكِّنُ الإِضْـمَارُ ذَلِكَ ، فَاهْـتَدُوا
وَ الْخَـبْنُ يُسْقِطُ ثَانِـيًا مُـتَسَـكِّـنًا
وَالطَّـيُّ رَابعَ سَـاكِنٍ يَسْـتَبْعِدُ
وَ العَـقْـلُ يُسْقِطُ خَـامِسًا مُـتَحَـرِّكًا
وَالْعَـصْبُ يُـسْـكِنُ مَا بـعَـقْلٍ يُـفْـقَـدُ
وَالْقَـبْضُ نَالَ ( فَـعُـولُ ) ثُمَّ ( مَـفَاعِلُنْ )
وَالْكَـفُّ يُسْقِطُ سَابِعًا ، فَاسْـتَرْشِدُوا
وَالنَّـقْصُ مِنْ عَـصْبٍ وَ كَـفٍّ زُوِّجَـا
وَالْخَـزْلُ إِضْمَارٌ وَ طَـيٌّ يُحْـصَدُ
وَالْخَـبْلُ مِنْ خَـبْنٍ وَ طَـيٍّ رُكِّـبَا
وَالشَّكْلُ مِنْ خَـبْنٍ وَ كَـفٍّ ، فَازْهَـدُوا
وَ الْكَفُّ لا يَـتْلُوهُ خَـبْنٌ إِذْ هُمَا
يَـتَـعَاقَـبَانِ عَلَى الدَّوَامِ ، فَسَدِّدُوا
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ وسلَّم
وفّقه الله لِما يحب و يرضَـى
إخوتي الكرام !! أُرَحِّب بأسئلتكم واستفساراتكم ، فلا تترددوا في إرسالها من خلال تعليق هـنا ، حتى يتم الفهم وتتحقق الثمرة المَـرجُـوَّة ويَـعُـمَّ النفع بإذن الله . بارك الله فيكم .
أتمنى أن تكون هناك نسخة pdf??!!
إن شاء الله سيتم تجميع الدروس كلها بعد ختامها في ملف واحد ، فصبرٌ جميل ، والله المستعان .
جزاك الله خيرا.
تشكر يا أخي الكريم على هذه المعلومات القيمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالك
أريد التأكد هل أنت مدخلي أم من أهل السنة والجماعة
سلاما