الحمد لله، والصلاة والسلام علَى رسولِهِ ومُصْطَفاه وَآلهِ وصحبهِ ومَن والاه، أمَّا بعدُ: فقد عرفنا في الدرسين السابقين معنى الزِّحافات ومعنى العِـلَل، وعرفنا صفات كُلٍّ منهما وأنواعه، فأصبحنا – بفضل الله – نستطيع التمييز بين الزِحاف والعِـلّة، فالزِحاف: يختص بـثواني الأسباب، ويجول في تفعيلات البيت كلها عروضًا وضَربًا وحَشْوًا، ولا يلزم، بمعنى أنه إذا نال تفعيلةً في بيتٍ فلا يلزم استمراره في التفعيلة المناظرة لها في سائر الأبيات، بينما العِـلَّة: قد تصيب الأسباب والأوتاد، ولا تقع في حَشْو البيت؛ بل تختص بالعَروض والضرب، وهي تلزم؛ بمعنى أنها إذا أصابت عَروضَ بيتٍ؛ لَزِمَ استمرارها في أعاريض سائر الأبيات، وإذا أصابت ضَرْبَ بيتٍ؛ لَزِمَ استمرارها في ضروب سائر الأبيات.
ولـكن هناك استثناءات لتلك القواعد قد تقع في بعض بحور الشعر العربي فـتُـعـطي العِـلَّةَ بعضَ صفات الزِحافات، أو تـعـطي الزِّحافَ بعضَ صفات العِـلَل.
وإليك بيان ذلك :
◆ أولاً : العِـلَل الجارية مجرَى الزِّحافات:
1) الحَـذْف : يجري مجرى الزِّحاف في عَروض بحر (المُـتقارَب) حيث أنه يطرأ ويزول.
2) القَـطْع : يجري مجرى الزِّحاف في حشو بحر (المُـتدارَك) فلا يلزم؛ بل يطرأ ويزول.
3) التَّشْعِـيث : وهو إسقاط أول الوتد المجموع من [فاعِلاتُنْ] لتصير: [فالاتن] بشرط أن تسبقها [مُسْتَفْعِ لُنْ]، ولا يتوفر ذلك إلاّ في بحر (الخَفيف) وبحر (المُـجْتث)، وسيأتي بـيانه في مكانه إن شاء الله.
ويُعتبر التشعيثُ عِلَّةً لِكَوْنهِ يصيب الأوتادَ ولا يقع في الحَشْو، ويشبه الزِّحافَ لِكَوْنهِ لا يلزم، بل يطْرأ ويزول.
4) الخَـرْم (بالراء المهملة) : هو إسقاط أول حرفٍ من البيت.
ويختص بالأوتاد المجموعة ، فقد ينال :
[ فَـعُولُنْ / مَـفاعِـيلنْ / مُـفاعَـلَـتُنْ ]
فـتصير: [ عُـولُنْ / فَاعِـيلُنْ / فَاعَلَـتُنْ ].
ويعتبر الْخَـرْمُ عِلَّةً لِكَوْنهِ ينال الأوتاد.
ولـكـنه يشبه الزِّحافَ من جهتين:
الأولى: أنه ينال تفعيلة الصَّدْر.
والثانية: أنه لا يلزم في كل بيت.
4) الخَـزْم (بالزاي المعجمة) : هو زيادة أربعة حروفٍ أو أقَلَّ إلى صدر التفعيلة الأولى من البيت، ولا يُعـتدُّ بتلك الزيادة في الوزن والتقطيع.
ويُعتبر الخَـزْمُ عِـلَّةً لكونه ينال الأوتاد.
ولـكـنه يشبه الزِّحافَ من جهتين:
الأولى: أنه ينال تفعيلة الصَّدْر.
والثانية: أنه لا يلزم في كل بيت.
◆ ثانيًا : الزِّحافات الجارية مجرَى العِـلَل:
بعض الزحافات تشبه العِـلَل في كونها تلزم عروضًا أو ضربًا، وهي كثيرة، منها: القَـبْض في بحر (الطويل)، والخَـبْن في بحر (البسيط)، والعَـصْب في مَجَزوء بحر (الوافر)، … إلخ.
وسيأتي بيان كل منها – إن شاء الله – في مواضعه من البحور الستة عشر.
وأخـتم بذِكْر الشاهد مِن مَـتْن (الخُلاصة الشافية) :
وَلَـرُبَّـمَـا لَـزِمَ الزِّحَـافُ مَــكَــانَـهُ
أَوْ شَـابَـهَتْ عِـلَلٌ زِحَـافًا يُـفْـرَدُ
فَـيُـزَادُ دُونَ الْخَمْسِ بالْخَـزْمِ افْــتِـتَـا
حَ الْبَـيْتِ أَوْ بالْخَـرْمِ حَـرْفٌ يُـفْـقَدُ
وَتَـرَى وَرَا (مُـسْـتَـفْعِ لُنْ) مُـتَقَـيِّدًا
تَشْـعِـيثَ (فَـالاتُنْ) وَ لَـيْسَ يُـسَوَّدُ
وَلَـئِنْ خَـلَتْ تَـفْـعِــيلَةٌ مِـنْ عِــلَّـةٍ
صَـحَّتْ، وَ إِنْ لَـزِمَ الزِّحَافُ تُـقَـيَّدُ
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ وسلَّم
وفّقه الله لِما يحب و يرضَـى
الحمد لله! الحمد لله!! الحمد لله!!
هذه مدرسة كبيرة مباركة ساقني الله سبحانه وتعالى إليها ليفتح علي علما!
فالشكر بعد شكره تعالى موصول إلى أخي في الإسلام، أبي – أو أقول جد جدي – في العلم: “أبي قدامة المصري” وإلى كل من ساعد بفعله أو مشورته على فتح هذه المدرسة المباركة.
فجرى الله الجميع بالجميل المغبوط عليه دنيا وأخرى، وغفر للوالدين يا أبا قدامة.
والسلام عليكم ورحمة الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليك أخي “محمد الثالث عثمان”
وبارك الله فيك وفي المسلمين في نيجيريا وسائر بلاد المسلمين .
آمين.
جزاكم الله خيرا وزادني قربا لكم. فوالله ما اقتربت منكم إلا زدت استفادة في ديني.
وأشكركم على النصح التي تقدمونها إلي كل ما انحرفت! فلا تسأموا بي، شيئا فشيئا حتى أتطهر إن شاء الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
حياكم الله وبياكم شيخنا أبو قدامة، أنا متابع كتابة المنشور أحيانا واستفدنا كثيرا من منشوركم، أحسن الله إليكم ونفع بكم.
لي سؤال، هل للرجز علة تجري مجرى الزحاف والعكس ؟
نرجو الإجابة، جزاكم الله خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك – ليس هناك علة تجري مجرى الزحاف في بحر الرجز إلا الخزم، وليس هناك أي زحاف يجري مجرى العلة في هذا البحر مطلقًا.
هل يدخل التشعيث مستفعلن؟
لا يدخل التشعيث إلا في (فاعلاتن) بالشرط المذكور في الدرس أعلاه.