الحمد لله، والصلاة والسلام علَى رسولِهِ ومُصْطَفاه وَآلهِ وصحبهِ ومَن والاه، أمَّا بعدُ: فقد تعرّفنا في الدرس السابق على نوعٍ من التغييرات الطارئة على التفعيلات وهو ما يُسَمّى بالزِّحافات، وعرفنا صفاتها وأنواعها ومواضعها، وفي هـذا الدرس نتعرَّف – إن شاء الله – على نوع آخر من التغييرات، ألا وهو العِـلَل، فأقول – وبالله أستعين – :
◆ تعريف العِـلَّة (بكسر العين وتشديد اللام) :
مُفرد (عِـلَل) وهي تغييرات تنال الأسبابَ أو الأوتادَ، وتَلْزَم ما تناله غالبًا.
◆ صفات العِـلَل :
1- تصيب الأسباب والأوتاد على السواء.
ولا تختص بثواني الأسباب كالزِحافات.
2- الأصل أنها لا تصيب إلَّا العَرُوضَ أو الضَّرْبَ أو كِلَيْهما.
3- الأصل أنها تلزم ما تقع فيه، فإن أصابت عِلّةٌ عَروضَ بيتٍ لَزِمَتْ في أعاريض سائر أبيات القصيدة، وإن أصابت ضَرْبَ بيتٍ لَزِمَتْ في ضُروب سائر أبيات القصيدة.
4- تكون بالإسكان، أو بالنقص، أو بالزيادة.
راجع الدرس السابق واعقد مقارنة بين الزِحافات والعِـلَل.
◆ أقـسـام الـعِــلَل :
أولاً : عِـلّة الإسكان :
وهي (الوَقْـف) : وهو إسكان الحرف السابع من [مفعولاتُ] فـتصير: [مفعولاتْ].
ثانيًا : عِـلَل النقص :
1) الكَسْف (بالسين المهملة)، وقيل: الكَشْف (بالشين المُعجمة): وهو إسقاط الحرف السابع من [ مَفْعُولاتُ ] لتصير: [ مَفْعُولا ].
2) الحَـذْف : إسقاط سبب خفيف متطرف في آخر التفعـيلة.
وقد يصيب [ فَـعُولُنْ / مَفاعِـيلُنْ / فَاعِلاتُنْ ]
فـتصير : [ فَـعُـو / مَـفاعِي / فَـاعِـلا ].
ولم يَرِد الحذف في [مُـسْتَفْعِ لُنْ] ولا في [فاعِ لاتُنْ].
3) الحَـذَذ : وهو إسقاط الوتد المجموع من آخر [مُـتَفاعِلُنْ] فـتصير: [مُـتَفا].
4) الصَّـلْم : وهو إسقاط الوتد المفروق من آخر [مفعولاتُ] فـتصير: [مَفْعُو].
5) القَـصْر : وهو إسقاط أول السـبب الخـفـيف المُـتطرف في آخـر الـتـفـعـيلة.
وقد يصيب [ فَعُولُنْ / فاعِلاتُنْ / مُـسْتَفْعِ لُنْ ]
فـتصير: [ فَـعُـونْ / فاعِلانْ / مُـسْتَفْعِ نْ ].
ولم يَرِد القَصر في [ مَفاعيلن / مُفاعَلَتن / فاعِ لاتن ].
6) القَـطْع : وهو إسقاط أول أو ثاني الوتد المجموع المتطرف في آخر التفعيلة.
وقد يصيب [ فَـاعِـلُنْ / مُـتَـفاعِـلُنْ / مُـسْـتَـفْـعِـلُنْ ]
فـتصـير: [ فَـالُـنْ / مُـتَـفالُـنْ / مُـسْـتَـفْـلُـنْ ]
أو تصير: [ فَـاعِـنْ / مُـتَـفاعِـنْ / مُـسْـتَـفْـعِـنْ ].
ولا فرق، فالعِـبْرة في الوزن بالحركات والسكَنات، لا بالحروف.
● فائدةٌ جديدةٌ فريدة :
المشهور عند العَـرُوضِـيِّين تعريف القَـصْر بأنه (إسقاط ساكن السبب الخفيف الموجود في آخر التفعيلة ثم إسكان ما قبله)، فمـثلاً لو أدخلْتَ القَـصْـرَ على [فَعُولُنْ] فإنك تُسقط نونَها فـتصير [فَـعُـولُ] ثم تُسكن لامها فـتصير [فَـعُـولْ].
وكذلك يُـعَـرِّفون القَـطْعَ بأنه (إسقاط ساكن الوتد المجموع الموجود في آخر التفعيلة ثم إسكان ما قبله)، فمثلاً لو أدخلْتَ القَـطْعَ على [فَاعِلُنْ] فإنك تُسقط نونَها فـتصير [فَاعِلُ] ثم تُسكن لامها فـتصير [فاعِلْ].
ولَعَـلّك لاحظْتَ في هَـذَيْنِ التعريفين أنك تحتاج إلى عملَيْن: حذف الساكن المتطرف، ثم إسكان ما قبله، وكان يُغْني عن ذلك إبقاء الساكن المتطرف كما هو مع حذف المتحرك الذي قبله، فـتقوم بعملٍ واحدٍ فقط تؤدي به نَفْسَ الغَـرَض.
وهـذا ما اجتهدتُّ في استنباطه – بفضل الله – وأثْـبَـتُّـه لك في التعريفَيْنِ الأوّلَيْنِ تيسيرًا للفهم واختصارًا للتعريفين المشهورَيْن، ولا مشاحة في الاصطلاح.
ثالثًا : عِـلَل الزيادة ( ولا تصيب إلَّا الأبـيات المَـجـزوءة ) :
1) التَّسْبيغ : هو زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف، و يخـتص بــ [فاعِلاتُنْ] فـتصير: [فاعِلاتَانْ].
وهو نادر الوُرُود في أشعار العرب.
2) التَّذْيِيل : هو زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع.
وقد يصيب [مُـتَفاعِلُنْ] فـتصير: [مُـتَفاعِلانْ].
ونادرًا ما ينال [مُسْتَفْعِلُنْ] فـتصير: [مُسْتَفْعِلانْ].
ولم يصح في [فَاعِلُنْ].
3) التَّرْفِـيل : هو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع.
ويخـتص بــ [مُـتَفاعِلُنْ] فـتصير: [مُـتَفاعِلاتُنْ].
ولم يصح في [مستفعلن] ولا في [فاعلن].
◆ اجتماع عِـلّـتَيْنِ في تـفـعـيلة واحدة :
وذلك بــ(البَـتْر) = حَـذْف + قَـطْع.
وقد ينال [فَـعُـولُنْ] فـتصير: [ فَـعْ ].
كما قد ينال [فاعلاتن] فتصير: [فاعلْ].
◆ اجتماع عِـلّةٍ و زِحـاف في تـفـعـيلة واحدة :
وذلك بــ(القَـطْـف) = حَـذْف + عـصْب.
ويخـتص بــ[مُـفاعَـلَـتُنْ] فـتصير: [ مُـفـاعَـلْ = فَـعُـولُنْ ].
وهناك بعض العِـلَل التي تشبه الزِحافات، وبعض الزحافات التي تشبه العِـلَل، سنتعرّف عليها في الدرس التالي – إن شاء الله – ثم نبدأ في دراسة بحور الشعر العربي بحرًا بحرًا، فنسأل الله العَـوْنَ والتوفيقَ والسدَاد … آمــين.
وهاك ما نظمتُه في فصل (العِـلَل) في منظومتي المُسَمّاة (الخُلاصة الشافية في العروض والقافية) :
وَلْتَعْرِفُـوا الْعِـلَلَ الَّتِي سَتُصِـيبُ أَسْــ
ـــبَابًا وَ أَوْتَادًا ، وَلَيْسَتْ تُـفْـقَـدُ
لا يُـبْـتَلَي حَـشْوٌ بهَا ، لَـكِــنَّهَا
إِنْ أُدْخِلَتْ فِي غَـيْرِهِ سَـتُـسَـوَّدُ
فَـزِيَادَةُ التَّسْـبِيغِ حَـرْفٌ سَـاكِنٌ
مِنْ بَـعْـدِ آخِـرِ (فَاعِلاتُنْ) يُسْنَدُ
وَكَذَلِكَ التَّذْيِـيلُ فِي (مُـتَفَاعِلُنْ)
أَيْضًا، وَفِي (مُسْـتَفْعِلُنْ) يَـتَفَـنَّدُ
وَزِيَادَةُ التَّرْفِـيلِ فِي (مُـتَـفَاعِلُنْ)
سَـبَبٌ خَـفِـيفٌ آخِـرًا يَـتَمَـدَّدُ
وَالْحَـذْفُ يُسْقِطُ آخِـرًا سَـبَبًا ، وَلا
حَذَذٌ خَلا (مُـتَفا) بهِ يُسْـتَشْهَدُ
وَالْصَّلْمُ فِي (مَفْعُو)، وَبالْقَصْرِ اخْتَفَى
مُـتَحَرِّكُ السَّبَبِ الْمُؤَخَّـرِ، فَاهْـتَدُوا
وَالْقَـطْعُ فِي الْوَتَدِ الْمُـجَـمَّعِ آخِـرًا
بِـسُـقُوطِ ثَانِـيهِ الْمُـحَـرَّكِ يُـرْصَـدُ
وَ الْكَسْفُ يُسْقِطُ سَابـعًا مُـتَحَـرِّكًا
وَالْوَقْـفُ يُسْـكِـنُهُ ، فَـلَيْسَ يُـجَـرَّدُ
وَ الْبَـتْرُ قَـطْعٌ بَـعْـدَ حَـذْفٍ سَـابِقٍ
وَالْقَطْفُ مِنْ عَصْبٍ وَحَذْفٍ يُـحْـصَـدُ
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ وسلَّم
وفّقه الله لِما يحب و يرضَـى
إخوتي الكرام !! أُرَحِّب بأسئلتكم واستفساراتكم ، فلا تترددوا في إرسالها من خلال تعليق هـنا ، حتى يتم الفهم وتتحقق الثمرة المَـرجُـوَّة ويَـعُـمَّ النفع بإذن الله . بارك الله فيكم .
بارك الله في علمكم ونفع بكم، بدأت الدروس أن تصعب، رجاءً هل من الممكن وضع أمثلة مع كل نقطة ليسهل الفهم
يعني مثلاً اسقاط الحرف السابع من (مفعولات) فتصير (مفعولا) … ثم مثال من الشعر
وهكذا، بارك الله فيكم وجزاكم الله عنّا خيرا.
وفيك بارك الرحمن وجـزاك ، وأرجو ألا تتعجّل أخي الحبيب ، فالأمثلة ستأتي عند دراسة البحور – إن شاء الله – أمّا هذه الدروس فمُقَدِّمات وأصول ستحتاج الرجوع إليها مستقبلاً – إن شاء الله – والمطلوب منك الآن هو حفظ المصطلحات وتعريفاتها ، فعليك أن تعرف أن إسقاط الحرف السابع من تفعيلة (مفعولات=/ه/ه/ه/) يسمى “الكسف” وبه يصير وزن التفعيلة إلى (مفعولا=/ه/ه/ه) ، وهكذا في كل الزحافات والعلل ، هذا هو المطلوب منك حاليًا ، وعند دراسة البحور سيسهل كل صعب بإذن الله ، فصبرٌ جميل والله المستعان .
بارك الله فيكم وفي علمكم.
بارك الله فيك وفي قلمك أخي أبا قدامة.. وزادك علمًا وفهمًا .. ونفعنا بعلمك…
آمـــين ، وفـيك بارَك الرحمن الرحيم وأحسن إليك الكريم
بارك الله فيكم، نحتاج إلى (الخُلاصة الشافية في العروض والقافية) مسموعة حتى نبدأ فى حفظها، حتى تكون التعريفات حاضرة معنا دائماً.
حاضر -أخي- إن شاء الله سأحاول تعجيل الأمر
أحسنتم بارك الله فيكم وعفا عنا جميعا.
فسبحان الله الذي هو الموفق وحده و أقول لك يا أخي العزيز بارك الله فيك و بارك لك و في علمك و أسأل الله ان يفقهنا في دينه العظيم و أن ينفعنا بما علّمنا و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
هل الخرم والخرب والشتر من العلل ام من الزحافات؟
ثلاثتها علل تجري مجرَى الزحاف.
هي علل لأنها لا تنال الأسباب، وإنما تنال الأوتاد فقط.
ولكنها تطرأ وتزول، أي: لا يلزم تكرارها في كل بيت، ولذلك فهي تجري مجرَى الزحاف في عدم اللزوم.